صممت استاد الوكرة، ثاني الاستادات جاهزية لاستضافة مباريات بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر ٢٠٢٢، المعمارية العراقية البريطانية الراحلة زها حديد، التي توفيت عام ٢٠١٦، حيث يعد استاد الوكرة المونديالي أحد آخر المشاريع التي عملت عليها أسطورة الهندسة المعمارية التي تعد أول امرأة تفوز بجائزة "بريتزكر" لتكريم المعماريين المبدعين.
عمل جيم هفرين، مدير شركة زها حديد للهندسة المعمارية، على تصميم استاد الوكرة في مرحلة التصوّر الأصلي، وقام مؤخراً بزيارته الأولى إلى الاستاد بعد اكتمال العمل به.
يتحدث هفرين في السطور التالية عن رحلة تصميم الاستاد، وكيف كانت المعمارية الراحلة لتفخر بإنجاز العمل في هذه الأيقونة المونديالية:
ما هي أولى انطباعاتك عن استاد الوكرة بعد إنجازه؟
أبهرتني حقاً دقة تنفيذ المشروع المطابق تماماً للتصوّر الذي وضعناه. فغالباً ما ينتابني بعض القلق بشأن مستوى توافق تنفيذ المشروع مع التصوّر الذي قرره فريق التصميم، وهنا لا يمكنني إلا أن أشيد بفريق العمل الذي نجح في تنفيذ استاد يعكس بكل دقة التصوّر الأصلي للمشروع.
يعتبر استاد الوكرة بلا شك صرحاً رياضياً مبهراً. لقد تجوّلت في أرجاء الاستاد وكان من الممتع بالنسبة لي أن أرى ما تصوّرناه في مراحل تصميم المشروع الأولى حقيقة على أرض الواقع، وبدا لي مظهر الاستاد مذهلاً من الداخل والخارج.
تمحورت رؤيتنا في مرحلة تصميم الاستاد حول إبداع تحفة معمارية ذات طابع جمالي فريد، وتتسم في الوقت ذاته بمستوى عالٍ لتحقيق الهدف الأساسي منه واستضافة مباريات بطولة قطر ٢٠٢٢. والآن، أجدني على يقين من أننا استطعنا إنجاز كل ما تطلعنا إلى تحقيقه، ونفخر بإسهامنا في أن ترى هذه الأيقونة المعمارية النور.
ما مصدر إلهامكم لإبداع تصميم استاد الوكرة ليكون ما هو عليه اليوم؟
نحرص دائماً على بذل أقصى جهدنا لإنجاز عمل فريد. وعلى الرغم من خضوع مشاريع بناء استادات كرة القدم على وجه الخصوص لقواعد توجيهية تجعلها تميل إلى العمومية والتكرار، إلا أننا أردنا تنفيذ ما كان يتطلع إليه عميلنا في بناء استاد يعكس طابع مدينة الوكرة الساحلية. لذا، بدأنا بالتركيز على قوارب الصيد التقليدية كرمز نستوحي منه تصميم الاستاد. ولم نرد وقتها مجرد تصميم استاد على شكل قارب تقليدي، لذلك قررنا أن نستوحي منه رمزاً لابتكار عمل يجمع بين الحداثة والأصالة، ويعكس العديد من المعاني والرموز المرتبطة بتاريخ مدينة الوكرة وأهلها.
يبدو شكل الاستاد دائرياً إلى حد ما، الأمر الذي يحقق الغرض الرئيسي منه كملعب لكرة القدم، لكنه لا يبدو دائرياً عند تأمله من الخارج، كما يختلف شكل الاستاد كلما انتقل الناظر إليه من منطقة لأخرى في مدينة الوكرة، وهذا ما تطلعنا بالضبط إلى تحقيقه. ويمتاز استاد الوكرة بطابع مدني صرف، حيث يهدف إلى تجسيد مدينة الوكرة ليصبح مكوناً أساسياً مما تنفرد به المدينة عن غيرها من مدن قطر. وسيصبح هذا الاستاد وجهة لأهل الوكرة وزوارها، ومقراً لأداء أنشطة رياضية ومجتمعية.
ما مدى أهمية أن تمتزج المباني العصرية بالبيئة المحيطة بها؟
بالطبع لا يمكن الجزم بوجوب عزل المباني العصرية عن محيطها، بل ينبغي أن تكون معالم تستقطب الناس بكل شغف، ومكوناً أساسياً من البيئة المدنية. وفيما يتعلق باستاد الوكرة، من المتوقع أن تتطور البيئة المحيطة باستاد الوكرة ليصبح هذا الصرح الرياضي أكثر نجاحاً في ضوء تعدد أوجه الاستفادة منه، وارتباطه بالنمو الذي تشهده مدينة الوكرة.
برأيك، كيف كانت زها حديد تتطلع للاستاد بعد إنجازه، وما مدى فخرها بالمشاركة في الإعداد لبطولة كأس العالم لكرة القدم الأولى في العالم العربي؟
لا شك بأن زها حديد كانت لتحب هذا الاستاد الأيقوني الرائع. وبالرغم من أنها لم تكن مولعة بالرياضة، إلا أن المعمارية الراحلة كانت لتعجب بتصميمه النهائي الرائع وطابعه الجمالي الجذاب. وعلى الجانب الثقافي، كانت زها حديد لتفخر بكونها تنتمي إلى هذه المنطقة التي تستضيف الحدث الرياضي الأبرز في العالم. وما زلت أذكر عندما شاركنا في أولمبياد لندن ٢٠١٢ بتصميم مركز الألعاب المائية، وحرصت زها آنذاك على حضور المنافسات لتعش بنفسها تجربة المشجعين.
لطالما كانت زها حديد شغوفة برؤية أي بناء تصممه بعد الانتهاء من تنفيذه، خاصة وأنها واجهت إخفاقات عديدة في بداية مسيرتها المهنية. ومن المؤكد أن الاستاد كان سيحظى بمكانة خاصة بالنسبة لزها لأن المنطقة التي تحتضنه قريبة جداً من موطنها، وضمن فضاء وثقافة لم تفقد يوماً الانتماء لها.
في رأيك، ماذا كانت زها حديد لتقول لو كانت موجودة اليوم هنا؟
أظن أن رؤية استاد الوكرة بحلته الكاملة كان سيدهشها ويسعدها بشكل كبير. كانت زها لتنبهر بمدى مطابقة استاد الوكرة بما حلمت به ودقة تنفيذه مع كل تلك التفاصيل والخطوط الجميلة والاهتمام بأدق جوانب العمل. كم هو رائع أن نرى التصميم مجسداً أمامنا على أرض الواقع، ونستطيع الآن أن ندرك سبب حبها لاستاد الوكرة وسعادتها بتصميم الاستاد رغم ما تعرض له من نقد في البداية.