كتب داريو كادافيد
غالباً ما يظنّ الناس أن فكرة تبريد الملاعب المفتوحة خلال كأس العالم ٢٠٢٢ في قطر، هي مجرّد نظريّة خياليّة بعيدة عن الواقع. ومنذ انضمامي إلى لجنة ملف قطر ٢٠٢٢ وفوز الملف بحقوق استضافة كأس العالم، والناس ما زالوا يسألونني السؤال ذاته، هل يمكن حقاً إقامة مباريات لكرة القدم في قطر خلال فصل الصيف؟ وإجابتي لهم كانت دوماً بالإيجاب.
إن ما شجعني على الانضمام إلى لجنة ملف قطر ٢٠٢٢ هو ما رأيته من استعداد لدى قطر لمواجهة المصاعب وسعيها للتغلب عليها بدلاً من تجنبها أو إنكارها. كمهندس معماريّ لطالما كنت أحلم بأن أعمل في مشروع يُحدث نقلةً نوعيّة في مجال الهندسة، وقد وجدت ما أبحث عنه لدى اللجنة، فقطر كان بإمكانها بكل بساطة أن تُقرّر بناء أسقف قابلة للطيّ للملاعب وتحل بذلك مشكلتها، لكنها اختارت البحث عن حلٍّ إبداعيّ يُشكّل ثورةً في المجال التقنيّ والهندسيّ.
قبل تقديم ملف الاستضافة، كان لدى قطر بالفعل استاد مبرد منذ عام ٢٠٠٨ وهو استاد نادي السدّ الرياضيّ -الذي حمل راؤول جونزالس نجم ريـال مدريد والمنتخب الإسباني السابق ألوانه لموسمين قبل اعتزاله- وتعتمد تقنية تبريد الاستاد على صمامات تنفث الهواء البارد ممدة حول أرضية الملعب وتحت كل مقعد من مقاعد الجمهور وتُزودها بالطاقة مولدات كهربائية تقليدية. وقد اصطحبت مراسلة قناة سي إن إن الدولية بيكي أندرسون في جولة تعريفية إلى هناك خلال الخريف الماضي.
وفي سبتمبر ٢٠١٠ حضر مفتشون فنييون من الاتحاد الدولي لكرة القدك (الفيفا) مباراة فريقي السد والريان (ديربي قطر) على هذا الاستاد، حيث وصلت درجة الحرارة على أرض الملعب وفي مدرجات الجماهير آنذاك إلى ١٩ درجة مئوية.
استاد السد لم يكن المنشأة المبردة الوحيدة التي زارها مفتشو الفيفا في قطر حينها، حيث كنت قد أشرفت على بناء نموذج أوليّ مصغّر عن أحد الملاعب المرشحة لاستضافة كأس العالم يتسع لـ٥٠٠ شخص، وذلك لاطلاع الفيفا تحديداً على كيفية عمل أنظمة التبريد المبتكرة وإمكانية تزويدها بالطاقة بالاعتماد على الخلايا الشمسية. وقد تمكنا آنذاك من خفض درجة حرارة الأجواء من ٤٠ درجة مئوية في الخارج إلى ٢٣ درجة مئوية داخل النموذج، وقد أبدى مفتشو الفيفا إعجابهم بما شاهدوه في الموقعين خلال زيارتهم.
إن الهدف الأساسيّ لعملنا هو توفير أفضل ظروف ممكنة للعب كرة القدم. لقد كنت أعيش في ميامي قبل قدومي إلى الشرق الأوسط، وأتذكر اللقاء الذي جمع منتخبي المكسيك وإيرلندا تحت شمس أورلاندو الحارقة خلال كأس العالم ١٩٩٤ في الولايات المتحدة (مع العلم أن الحرارة المرتفعة ليست أمراً غريبا عن العديد من المدن في نصف الكرة الأرضية الشمالي خلال فصل الصيف). إن التقنية التي نُطورها ستضمن أن جميع الفرق ستلعب في ظروف متساوية ومناسبة وآمنة في جميع الملاعب.
هذا فيما يتعلق باللاعبين، فماذا عن الجمهور؟ قد يتساءل الناس، وهذا تساؤل محق.
خلال الصيف الحالي وعلى شاطئ الحي الثقافي (كتارا) في الدوحة أقمنا منطقة مفتوحة لمشجعي البرازيل ٢٠١٤، صُمّمت خصيصاً لتجربة تقنية التبريد، وقد استطعنا خفض درجة الحرارة داخل المنطقة بمقدار ١٢ درجة مئوية مقارنة بدرجة الحرارة الخارجية.
كما ستُجهز الممرات الواصلة بين شبكة النقل العام والاستادات بوسائل تبريد ساكنة ونشطة، بحيث تبدأ درجة الحرارة بالانخفاض تدريجياً مع اقتراب وصول الجماهير إلى الاستاد من ٣٢ درجة مئوية إلى ٢٦ درجة مئوية تقريباً، قد تقل أو تزيد بمقدار درجتين.
ملفنا كان مبنياً على استضافة كأس العالم ٢٠٢٢ خلال فصل الصيف. ونحن نسعى لابتكار حلولٍ لضمان راحة اللاعبين والمشجعين، ونسعى لجعل هذه الحلول مستدامة بيئياً.
فريق عملنا بما يضمّه من خبراء فنيين وخبراء في الاستدامة عملوا جنباً إلى جنب مع خبراء مناخ عالميين، لتكوين تصوّر حول طبيعة الأجواء التي من المتوقع أن تشهدها قطر خلال كأس العالم. وقد طلبنا من كل شركة كُلّفت بتصميم أحد الاستادات المرشحة لاستضافة البطولة أن توضح لنا الطريقة التي تنوي استخدامها لتخفيض درجة الحرارة على أرض الملعب لتصل إلى ٢٦ درجة مئوية، وتخفيض الحرارة في مناطق المشجعين المظللة إلى ما بين ٢٤ – ٢٨ درجة مئوية.
درجات الحرارة هذه تقل كثيراً عن درجة الـ٣٢ درجة مئوية التي حددتها الفيفا لإعطاء استراحة حرارة للاعبين، وهو ما شهدناه خلال كأس العالم هذا الصيف أثناء مباراة منتخبي المكسيك وهولندا على ملعب الكاستيللو في فورتاليزا ضمن دور الـ١٦.
ومهما كان توقيت إقامة كأس العالم، فنحن سنمضي قدماً في تطبيق وتطوير هذه التقنية، فالتزامنا بها ينبع من أهمية الإرث الذي ستتركه لقطر وللدول ذات المناخ المشابه، حيث سُتتيح هذه التقنية ممارسة الرياضة في هذه البلدان على مدار العام. ولن يقتصر استخدامها تقنية التبريد على الملاعب أو المنشآت الرياضية، حيث يُمكن استخدامها في الأماكن العامة الأخرى، ليستمتع الناس بممارسة نشاطاتهم في الهواء الطلق على مدار العام.
ونحن هنا نتفهم الشكوك التي وردت في الدراسة التي أجراها البروفيسوران أندرياس ماتازاراكيس ودومينيك فروليش، ونحترم الجهد الذي بذلوه لإعدادها. لكننا نعتقد أن التقنية الثورية التي يُطورها خبراؤنا اليوم سُتقلل من المخاوف لدى الجماهير التي ستزور قطر خلال فصل الصيف، والذي بالمناسبة يشهد بدء منافسات دوري نجوم قطر كل عام.
وكما هو الحال مع كل التقنيات المبتكرة والحديثة، لا بد أن تكون هناك شكوك حولها لدى البعض، لكنني أعتقد أننا بدأنا نُثبت على أرض الواقع أن تبريد الأماكن المفتوحة هو حقيقة علمية وليس مجرد خيال علميّ.
نشرت نسخة من هذا المقال على هيئة مقابلة في وقت سابق اليوم في صحيفة " إيه إس" الرياضية الإسبانية
داريو كادايفيد هو المدير المسوؤل عن ضمان التكامل التقنيّ في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الهيئة القطرية الحكومية المكلفة بقيادة جهود التحضير لاستضافة كأس العالم ٢٠٢٢ في قطر.