كتب داريو كادافيد
اضطُر الناس في منطقة الخليج منذ القدم إلى مواجهة الطقس الحار بابتكار طرق تبريد تحافظ على برودة المنازل والمحال والمواد الغذائية، وتعينهم على تجاوز فصل الصيف الحار، ومع مرور الزمن، أخذت تلك الابتكارات بالتطور شيئاً فشيئاً.
وكمثال على طرق التهوية الطبيعية التقليدية في قطر ما يسمى بـ "تأثير المدخنة"، والذي يسببه الفرق في الكثافة بين الهواء الحار والهواء البارد. فللحفاظ على برودة المكان، يتم فتح شقوق ومنافذ علوية يصعد إليها الهواء الدافئ الأقل كثافة ليخرج عبرها إلى الخارج. ويتم استبداله من خلال فتحات سفلية بالهواء البارد ذو الكثافة الأكبر، وبهذا يتشكّل تيار بارد داخل المكان.
وقد شهدت العمارة التقليدية في قطر قبل دخول نظام التكييف إليها تطوراً لافتاً للتأقلم مع عوامل المناخ. فتم ابتكار حلول عدة للحفاظ على البرودة داخل المنازل والمباني من خلال اختيار المواد بعناية، واستخدام بعض التقنيات الخاصة في البناء للتغلب على حرارة الطقس، وتوفير فتحات وشقوق تدفع الهواء إلى التحرك مما يُنتج تيارات باردة.
ولهذا لا يُستغرب أن تكون الأسواق في منطقة الشرق الأوسط مشيّدة بممرات حجرية ضيقة وقناطر عالية. حيث يتم تبريدها بواسطة أبراج رياح من شأنها توجيه حركة نسائم البحر إلى داخل السوق وإخراج الهواء الساخن إلى خارجه. كما أن دخول الهواء البارد إلى الممرات الضيقة يسرّع من حركته، في حين أن القناطر العالية توفر ارتفاعاً كافياً ليخرج الهواء الساخن منها مما يفعّل "تأثير المدخنة"، فيما تتكفل الجدران الحجرية بامتصاص الحرارة نهاراً ثم إطلاقها ليلاً.
وبفضل دمج المفاهيم التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة، تمكنت اللجنة العليا للمشاريع والإرث من تطبيق تأثير المدخنة في منطقة المشجعين التي أقامتها في الدوحة خلال مونديال البرازيل ٢٠١٤. حيث عملت على ضخ الهواء البارد على مستوى الأرض، ليعمل على تلطيف الأجواء وامتصاص الحرارة داخل منطقة المشجعين في طريقه للصعود إلى أعلى حيث يخرج من السقف، وهذا يشبه إلى حد كبير الأسلوب المتبع في الماضي. كما تم استخدام عدد من أعمدة التبريد التي توفر نفحات من الهواء لتسريع حركة الهواء.
وخلال مباريات كأس العالم، يجب أن تتراوح درجة الحرارة داخل الملاعب بين ٢٤ و٢٨ درجة مئوية. مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئية مثل الظل ومتوسط درجات الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح والعوامل الأخرى التي تتعلق بملابس الشخص والعوامل الفسيولوجية لكل فرد .
أما درجة الحرارة للاعبين على أرضية الملعب فتكون بمعدل ٢٦ درجة مئوية، وتدخل في الاعتبار عوامل عديدة منها درجة الحرارة الخارجية وحركة الهواء وقوة أشعة الشمس بالإضافة إلى عوامل أخرى. ولهذا، تقوم اللجنة العليا للمشاريع والإرث بتضمين تقنيات التبريد المستدامة في التصاميم المقترحة للملاعب المرشحة لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر ٢٠٢٢. وبهذا، تضمن قطر والبلدان الأخرى ذات المناخ المشابه إمكانية لعب كرة القدم والرياضات الأخرى على مدار العام.
ولإعادة خلق تأثير التهوية الطبيعية، تم إدراج فتحات تهوية في تصاميم الملاعب المرشحة لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم وفق استراتيجية تسهل من استخدام التهوية الطبيعية كلما كانت الظروف الخارجية تسمح بذلك. كما أن اللجنة العليا تستخدم نظام السوائل الديناميكي المحوسب للقيام باختبارات فنية وتوقع حركة الهواء والرطوبة والرياح والحرارة في بيئات مختلفة وفق أسلوب يوفر الوقت والطاقة.
وفي الوقت الذي يتم فيه تطبيق أحدث التقنيات لتبريد الملاعب المرشحة لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر ٢٠٢٢، يبقى تقليد تبريد الأجواء مهماً لقطر ودول المنطقة المجاورة لها مثلما كان الحال في الماضي. فكما يتم تسخين الملاعب في الشتاء في مناطق أخرى من العالم، نقوم نحن بتبريد ملاعبنا في أشهر الصيف لترك إرث مستدام فيما يتعلق بتقنيات التبريد الصديقة للبيئة للأجيال القادمة ليتمتعوا بفوائد الرياضة طوال العام.