تواصل اللجنة العليا للمشاريع والإرث جهودها لاستضافة أول بطولة محايدة للكربون في تاريخ منافسات كأس العالم وبناء إرث مستدام للأجيال المقبلة، لتقدم دولة قطر بذلك نموذجاً يحتذى به في تنظيم البطولات الرياضية الكبرى في المستقبل.
وفي هذا الصدد، أكد المهندس عبد الرحمن المفتاح، خبير الاستدامة والبيئة في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، أن اهتمام القائمين على تنظيم كأس العالم FIFA قطر 2022™ تمحور منذ بداية مشوار الاستضافة حول بناء إرث بيئي مستدام، مشيراً إلى أن مبادرات الاستدامة في مشاريع البطولة تسهم في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030.
وأضاف المفتاح أن دولة قطر تسعى للوصول إلى ما يعرف بـ "الحياد الكربوني" في مشوارها نحو استضافة المونديال عبر تحقيق أربعة أهداف رئيسية أولها رفع مستوى وعي الأفراد والشركاء الرئيسيين وإشراكهم في جهود تحقيق هذه الغاية، ومعرفة المخزون الكربوني الناتج عن الأنشطة المتعلقة بالبطولة، وتحديد أهم مصادر الانبعاثات الكربونية قبل بدء المرحلة الثالثة المعنية باتخاذ كافة الإجراءات والمعايير الدولية للحد من هذه الانبعاثات، ثم تأتي المرحلة الرابعة التي تستلزم إجراء موازنة كربونية من خلال الاستثمار في مشاريع خضراء وصديقة للبيئة.
ويفسر المفتاح مصطلح "محايدة الكربون" بأنه تحقيق الموازنة في الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عوادم السيارات والعمليات المولدة للطاقة، حيث يتجه اهتمام كبرى المنظمات والهيئات المعنية بالبيئة حول العالم إلى تقليل الانبعاثات الكربونية والحرص على عدم زيادة نسبة الكربون في الهواء لتلافي وقوع كثير من المشكلات البيئة أو تفاقمها كالاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي قد يتسبب بحدوث كوارث بيئية لا حصر لها.
وقال المفتاح إن مونديال قطر 2022 سيشهد إقبالاً كبيراً من المشجعين على استخدام المواصلات العامة وخاصة شبكة مترو الدوحة، نظراً لقرب الاستادات من بعضها البعض، مشيراً إلى أن شبكة النقل المتطورة بما فيها الترام وأسطول الحافلات الموفرة للطاقة ستسهم بدور هام في تقليل انبعاثات الكربون، إضافة إلى الحافلات الكهربائية التي سيجري استخدامها خلال منافسات البطولة.
ومنذ فوزها في 2010 بحق استضافة أول مونديال لكرة القدم في الشرق الأوسط والعالم العربي، وضعت قطر نُصب عينيها مهمة استضافة نُسخة استثنائية من البطولة الأبرز في العالم. وتحقيقاً لهذه الغاية أولت اللجنة العليا للمشاريع والإرث، الجهة المسؤولة عن مشاريع كأس العالم قطر 2022، اهتماماً بالغاً بالاستدامة وحرصت على تضمينها في كافة المشاريع المتعلقة بالبطولة.
وفي هذا السياق، أعلنت قطر في يناير 2020 عن إطلاق استراتيجية الاستدامة لمونديال 2022 بالتعاون مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وتعد الأولى من نوعها في تاريخ كأس العالم، وأول استراتيجية للاستدامة يجري الإعداد لها بالشراكة بين الفيفا والدولة المضيفة والجهات المنظمة المحلية في التخطيط والإعداد لها. وتستعرض الاستراتيجية خمسة التزامات على صعيد الاستدامة تغطي الجوانب البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والحوكمة.
ومواصلة لهذه، الجهود أكدت قطر التزامها التام وحرصها الشديد على استضافة البطولة الأكثر استدامةً في تاريخ المونديال. ويستوجب تحقيق هذه الغاية تنظيم بطولة محايدة للكربون تُعنى بالمحافظة على المياه، وإدارة النفايات، وإدارة انبعاثات الكربون، واستخدام الطاقة المتجددة متى أمكن، وحماية البيئة، والربط بين المناطق الحضرية، وتعزيز التنوع الحيوي، وتنمية البيئة الحضرية، وذلك في كافة مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالبطولة، بالإضافة إلى مشاريع الاستادات الثمانية المخصصة لاستضافة منافسات المونديال.
ونجحت قطر في مشوارها نحو تنظيم البطولة في إرساء معايير عالمية في مجال الاستدامة تقتدي بها الدول التي تتطلع لتنظيم النسخ القادمة من المونديال وغيرها من البطولات الرياضية الكبرى، الأمر الذي يجسد إرثاً قيماً سيعود بالنفع على المجتمعات والأجيال القادمة.
وفي سبيل الوصول إلى حيادية الكربون في مونديال 2022؛ استفادت قطر خلال مشوارها لاستضافة أول نسخة متقاربة المسافات في التاريخ الحديث لبطولة كأس العالم من الطبيعة الجغرافية التي تتميز بها قطر، حيث تقع الاستادات الثمانية المستضيفة لمنافسات المونديال ضمن مساحة صغيرة، ولا تتجاوز أطول مسافة بين اثنين من استادات المونديال 75 كم، الأمر الذي سيُتيح للزوار والمشجعين فرصة البقاء في مقر إقامة واحد طوال فترة البطولة دون تكبّد عناء السفر والتنقل من مدينة لأخرى.
وإلى جانب ذلك، تتصل خمسة من الاستادات المونديالية بمترو الدوحة الذي يعمل كحلقة وصل بين الاستادات، فيما يُمكن للمشجعين الوصول إلى الاستادات الثلاثة الأخرى من خلال حافلات نقل مُخصصة لهذا الغرض. وقد تعاونت اللجنة العليا مع قطاع الضيافة والفندقة في قطر لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة وتطبيق الممارسات المعنية بتقليل الانبعاث الكربوني من القطاع الفندقي في قطر.
ولا تقتصر مزايا الطبيعة متقاربة المسافات لمونديال قطر 2022 على توفير الراحة للمشجعين وعدم الحاجة للتنقل لمسافات طويلة بين الاستادات، فضلاً عن تزويد الفرق المشاركة بالأجواء المثلى التي تضمن لهم تقديم أفضل مستويات الأداء، بل إنها تؤدي أيضاً إلى التخلص الأثر الكربوني الناتج عن الرحلات الجوية المحلية التي كان يتعين على المشجعين واللاعبين والمسؤولين والفرق الإدارية المرافقة القيام بها في النسخ السابقة من نهائيات كأس العالم. ومع الأخذ بالاعتبار أن السفر بالطائرات يعد واحداً من أكبر مصادر انبعاثات الكربون في العالم، فلا شك أن المسافات المتقاربة التي يتميز بها مونديال قطر سيكون لها تأثير كبير في تقليل البصمة الكربونية للبطولة.
علاوة على ذلك؛ روعي في تصميم وتشييد الاستادات الثمانية لمونديال قطر 2022 الالتزام بالمعايير الخاصة بالحد من انبعاثات الكربون بهدف تقليل استهلاك الطاقة والمياه، وإعادة استخدام المياه والمواد وإعادة تدويرها قدر الإمكان، وكذلك استخدام أنظمة تبريد عالية الكفاءة، والطاقة المتجددة للإضاءة في عدد من الاستادات، ووضع تصاميم تسمح بنفاذ أقصى قدر من ضوء النهار، والحرص على زراعة الأشجار والنباتات المحلية الموفرة للمياه في حدائق الاستادات، إضافة إلى اعتماد استراتيجيات فعالة في مجال إدارة النفايات.
يشار إلى أن الاستادات الثمانية التي ستشهد منافسات المونديال قد جرى تشييدها بحيث توفر المياه والطاقة، ونجح العديد من استادات البطولة في تجاوز التصنيفات العالمية في قطاع إنشاء الاستادات من خلال تنفيذ المتطلبات غير الإلزامية للاستدامة.
وفي هذا السياق؛ يعتبر استاد راس أبو عبود أحد أوضح الأمثلة على ذلك وسيشكل نموذجاً يحتذى على صعيد مشاريع الاستادات المستدامة في العالم، حيث سيصبح هذا الاستاد الذي يتسع لـ 40 ألف مشجع، الأول من نوعه القابل للتفكيك بالكامل في تاريخ بطولات كأس العالم، ثم الاستفادة من المقاعد والسقف وبقية مكونات البناء الأخرى لإنشاء مشاريع رياضية أخرى داخل قطر وخارجها في مرحلة الإرث بعد إسدال الستار على منافسات البطولة. وسيرسي هذا النهج الرائد في إنشاء الاستادات المستدامة معايير جديدة في الحد من النفايات.
وفيما يتعلق بالعناصر الرئيسية الأخرى التي يعتمد عليها للوصول لمرحلة الحياد الكربوني لمونديال قطر 2022، تأتي الطاقة الشمسية في المرتبة الأولى للمساعدة في تزويد قطر بالطاقة خلال الحدث الرياضي العالمي. وتقوم قطر حالياً بتطوير محطة للطاقة الشمسية بقدرة 800 ميغاوات على مساحة 10 كيلومترات مربعة. وحال اختتام منافسات البطولة، ستواصل المحطة إنتاج طاقة متجددة نظيفة على مدى عقود، لتسهم بذلك في بناء إرث مستدام للأجيال المقبلة باعتبارها إحدى مشاريع الحد من الكربون.
وتسهم هذه المبادرات وغيرها بدور رئيسي في إرساء إرث مستدام على درجة كبيرة من الأهمية لدولة قطر والمنطقة، كما ستضع الأسس لخطط استراتيجية تشجع على اعتماد الممارسات المستدامة في الأحداث الرياضية في أنحاء العالم بالمستقبل.