شهد عام ٢٠١٧ العديد من النجاحات والإنجازات في مجال العلوم السلوكية على المستويين المحلي والعالمي. فعلى الصعيد الدولي، فاز خبير الاقتصاد الأمريكي ريتشارد ثالر بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية تقديرًا لإسهاماته في مجال الاقتصاد السلوكي، وهو ما خلق أرضية خصبة داعمة لمجال الاقتصاد السلوكي الذي يتّسع نطاقه بوتيرة سريعة.
وفي الشرق الأوسط، أطلقت اللجنة العليا للمشاريع والإرث وحدة قطر للتوجيه السلوكي التي أتشرف برئاستها، إذ تعتبر الوحدة أول مبادرة لدعم الجهود في مجال التوجيه السلوكي في المنطقة، وذلك من خلال إطلاق مشروعات تهدف لتغيير سلوك الأفراد بشكل إيجابي لتحسين حياتهم. وتساعد الوحدة بشكل فعّال في إجراء تجارب متعلقة بالسياسة العامة لدعم اللجنة العليا للمشاريع والإرث وغيرها من الهيئات في جميع أنحاء الدولة، وذلك تماشيًا مع رؤية قطر الوطنية ٢٠٣٠.
وخلال العام الأول، قمنا في وحدة قطر للتوجيه السلوكي بإجراء عدد من التجارب التي تتعلق بالتعليم، ورعاية العمال، والاستدامة البيئية، وأنماط الحياة الصحية. كما قمنا بتقديم عرض شيّق حول الوحدة وأهدافها وذلك على هامش مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم )وايز( الذي عقد في مركز قطر الوطني للمؤتمرات في نوفمبر ٢٠١٧. ومن ناحية أخرى، أشار مقال كتبه مؤخرًا كاس سونستين، الرائد في مجال الاقتصاد السلوكي والذي أسهم في إطلاق أول وحدة دراسة وتطوير للسلوك المؤسسي خلال فترة ترأس باراك أوباما للولايات المتحدة، إلى وحدة قطر للتطوير السلوكي التي تحتضنها اللجنة العليا.
ومنذ إطلاق وحدة قطر للتوجيه السلوكي، تواصلنا مع عدد من الأفراد في المجتمع للتطوع في إجراء تجارب الوحدة ودراساتها. وقد أسهمت هذه التجارب في تكوين بنك معرفي ثريّ بالأفكار والمقترحات البناءة. كما كان لحضورنا مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم (وايز) والمشاركة في ثلاث جلسات رئيسيّة دورًا هامًا في نشر ثقافة الاقتصاد السلوكي لشريحة كبيرة من الجمهور. وقد كان لمشاركتنا صدىً واسعًا، إذ لاحظنا شغف الكثير بمعرفة المزيد عن العلوم السلوكية في المنطقة ورغبتهم بجعل هذا المجال مبتكرًا وقادرًا على مواكبة الاتجاهات المتنامية.
وفي الوقت الراهن، تصب جهودنا على دعم اللجنة العليا للمشاريع والإرث في مساعيها الرامية إلى استضافة وتقديم الحدث الأضخم في تاريخ دولة قطر. في مطلع هذا العام، قمنا بالتعاون مع إدارة رعاية العمال لمساعدتهم في تحسين آلية جمع الشكاوى من العمال في مواقع المشاريع، وهي مبادرة لن تُسهم فحسب في تحسين جودة التعامل مع الشكاوى المقدمة، بل ستعمل أيضًا على رفع معدّل استقبال الشكاوى بنسبة تفوق ٣٠%. علاوة على ذلك، جرى تعاون بين الوحدة وبرنامج الجيل المبهر لرفع نسبة مشاركة معلمي التربية البدنية في الدورات التدريبية بنسبة ٣٣%. وقد جرى استخدام اختبارات عشوائية مُقننة في كلا المشروعين.
كما شاركت وحدة قطر للتوجيه السلوكي مؤخرا في حفل افتتاح "يوم نقل المعرفة" في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وذلك بحضور أفراد من الصحة والسلامة والأمن والبيئة ورعاية العمال في اللجنة. وتتمثل مهمة الوحدة الآن في تشجيع الحضور على الالتزام بالوعود التي قدموها خلال هذه الفعالية لتحسين سبل التواصل والتعاون.
علاوة على ما سبق، أجرت الوحدة عددًا من التجارب البسيطة المتعلقة بالاستدامة وتشجيع الأفراد على تبنّي نمط حياة صحي، كاستخدام الملصقات لتشجيع الناس على اختيار بدائل صحية للغذاء، أو استخدام ملصقات لامعة تجذب الناس وتُشجعّهم على استخدام السلالم بدلًا من المصاعد الكهربائية. ويجري حاليًا في الوحدة دراسة هذه التجارب لاستنباط النتائج النهائية.
لعلّ المحافظة على وتيرة العمل الجيّد هو أبرز التحديات التي نتوقع أن نواجهها في عام ٢٠١٨. فإلى جانب عملنا عن كثب مع اللجنة العليا للمشاريع والإرث، فإننا نسعى للتعاون والعمل جنبًا إلى جنب مع مختلف الهيئات والمؤسسات ذات الصلة في قطر والمنطقة. ويتأتّى ذلك من حرصنا الشديد على نشر ثقافة الاقتصاد السلوكي في المنطقة وتعريف الأفراد بأهمية هذا العلم وفوائده الجمّة في تحسين حياة الأفراد.
تعتبر وحدة قطر للتوجيه السلوكي مثالًا آخر على الأثر الإيجابي الذي تسعى بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر ٢٠٢٢ إلى تركه في قطر والمنطقة. نحن فخورون جدًا بإسهامنا في إنجاح هذه الفعالية من خلال بناء إرث قيّم لقطر والمنطقة والعالم أجمع.