بقلم: تيم كيهل
بعد نحو عامين من الآن، سيكون الحديث عن كرة القدم هو موضوع الساعة في كافة دول العالم، إذ ستستضيف دولة قطر ألمع نجوم الساحرة المستديرة، لتتنافس ضمن صفوف منتخباتها الوطنية في 64 مباراة على مدى 28 يوماً، لانتزاع لقب المونديال، ونيل شرف التتويج باللقب الأهم في عالم كرة القدم.
وسيتوافد مشجعو كرة القدم وعشاقها من مشارق الأرض ومغاربها على دولة قطر للاحتفاء بكرة القدم، آملين في فوز منتخباتهم بالكأس الأغلى، وأن تكتب بلدانهم تاريخاً مجيداً في سجلات الرياضة الدولية.
خلال مسيرتي الكروية، كنت محظوظاً بتمثيل منتخب بلادي أستراليا في أربع نسخ من بطولة كأس العالم، ورغم أن لكل بطولة طابعها الخاص الذي يميزها؛ إلا أن هدفي الأول في شباك المنتخب الياباني خلال كأس العالم 2006 ما زال محفوراً في ذاكرتي كما لو أنه حدث للتو.
كان يوماً شديد الحرارة، وامتلأت المدرجات بالجماهير الأسترالية، واستطعتُ تسجيل الهدف الأول من كرة ارتدّت أمامي من مدافع منتخب اليابان. ورغم أنه لم يكن أعظم هدف أسجله في مسيرتي الكروية، لكنني سأبقى طيلة حياتي معتزاً وفخوراً باللحظة التي هزت فيها الكرة شباك الخصم.
لا شك أن لبطولة كأس العالم سحر فريد يخلق لدى اللاعبين والمشجعين ذكريات مميزة لا يُمكن نسيانها. وتكمن قوة كرة القدم في قدرتها على توحيد الناس من كافة أنحاء العالم للاحتفاء بشغفهم وعشقهم لهذه اللعبة الرائعة، إضافة إلى إتاحة فرصة استثنائية لاكتشاف بلدان جديدة والتعرف عن كثب على عادات شعوبها وثقافاتهم وتقاليدهم ولغاتهم. لذا يحق لنا القول بأن المونديال الكروي ما هو إلا تجربة عالمية يتشاركها الجميع.
ستكون كأس العالم في قطر عام 2022 البطولة الكروية الأضخم والأولى من نوعها في الشرق الأوسط. وأرى أن هذه النسخة من المونديال تحمل طابعاً استثنائياً، إذ تمنح دولة قطر فرصة ذهبية لتقدم للعالم أجمع كل ما هو مميز وفريد داخل استادات البطولة وخارجها، علاوة على تعريف كافة الزوار والمشجعين والعالم بالمنطقة العربية وما تزخر به من تاريخ مجيد، وحضارة عريقة، وعادات طيبة كحُسن استقبال الضيف وإكرامه وحفاوة الترحيب به.
ويحق لنا القول بأن بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر عام 2022 ستكون فرصة قيمة لتوحيد الناس تحت راية كرة القدم، خاصة بعد أزمة الوباء الذي عصف بالعالم. لقد حالفني الحظ بقضاء الكثير من الوقت في دولة قطر، خاصة بعد اعتزالي كرة القدم، ويذهلني ما أرى من تقدم ملحوظ في رحلة استضافة الحدث الكروي المنتظر، وحرص الدولة على ضمان الجاهزية التامة للترحيب بالزوار والمشجعين في 2022. وأنا على يقين تام بأن مونديال قطر سيُشكل لحظة فارقة في تاريخ الدولة والمنطقة والعالم بأسره.
للرياضة قوة هائلة في تحسين حياة الأفراد ودفع عجلة التغيير الإيجابي في المجتمعات، ولقد شاهدت بنفسي كيف لهذه القوة أن تُترجم إلى واقع إيجابي ملموس يؤثر في حياة أفراد المجتمع. فعلى سبيل المثال، أسهمت استضافة سيدني، مدينتي، لدورة الألعاب الأولمبية عام 2000 في تغييرها اجتماعياً واقتصادياً نحو الأفضل، كما أنها وضعت أستراليا في مصافّ الدول التي تملك قدرات وإمكانات تُمكنها من استضافة بطولات رياضية عالمية، ما جعلها تنظم بطولة كأس العالم للرجبي في العام 2003.
وتتواصل الجهود في قطر لتنظيم نسخة مونديالية فريدة تضع الاستدامة في جوهر الاستعدادات للحدث الرياضي الأبرز في العالم، بدءاً باستادات البطولة وحتى وسائل المواصلات والنقل العام.
وهنا تأتي فكرة البطولة متقاربة المسافات التي تميز مونديال قطر عن غيره من النسخ السابقة من كأس العالم، إذ تبلغ أطول مسافة بين استادات البطولة 75 كم فقط، وهو ما سيتيح للمشجعين فرصة حضور أكثر من مباراة في يوم واحد دون تكبد عناء التنقل لمسافات طويلة أو السفر جواً من مدينة لأخرى. وأرى بأن هذه الميزة هي بصمة المونديال الكروي في قطر، والتي تضمن استمتاع المشجعين واللاعبين بتجربة جديدة كلياً للمرة الأولى في التاريخ الحديث للبطولة.
تشهد دولة قطر في الوقت الحالي مباريات دوري أبطال آسيا 2020 لأندية شرق القارة، وستختتم منافساتها يوم 19 ديسمبر من العام الجاري. ومن اللافت أن أرى نادي شنغهاي شينهوا الذي لعبت ضمن صفوفه ينافس في هذه البطولة، إلى جانب أندية أسترالية، وعدد من الأندية العريقة في القارة الآسيوية.
يخوض لاعبو هذه الأندية تجربة فريدة، إذ تستضيف المباريات الاستادات الجديدة التي صُممت خصيصاً لمباريات مونديال 2022. وأتمنى وافر الحظ لكافة الأندية المشاركة في هذه البطولة القارية.
من ناحية أخرى؛ أرى أن المبادرات التي تشهدها رحلة قطر لاستضافة مونديال 2022 ذات أهمية كبرى لا تقل عن التحضير لاستضافة البطولة ذاتها، إذ تلعب دوراً محورياً هاماً في تثقيف الشعوب، وإحداث تغييرات اجتماعية وصحية وإنسانية، يبقى أثرها لأجيال قادمة، بعد إسدال الستار على المونديال.
وفي هذا السياق، أُتيحت لي الفرصة مؤخراً للعمل مع الجيل المبهر، برنامج المسؤولية المجتمعية في اللجنة العليا، والذي يستثمر قوة كرة القدم، وشعبيتها العالمية الواسعة، ومبادرات كرة القدم من أجل التنمية، في إكساب الأفراد في المجتمعات الأقل حظاً، أو التي عانت من حروب أو كوارث طبيعية، مهارات اجتماعية وحياتية، وإثراء معارفهم في موضوعات هامة كالاستدامة، والاندماج الاجتماعي، ونمط الحياة الصحية، والمساواة بين الأفراد، والعمل الجماعي، والقيادة وغيرها.
ومنذ انطلاقته الأولى في عام 2010؛ تمكّن الجيل المبهر من الوصول إلى أكثر من 500 ألف شخص في عدة دول مثل عمان، والنيبال، والأردن، والهند، وهايتي، وغيرها. ويتطلع البرنامج للوصول إلى مليون مستفيد حول العالم بحلول 2022. إنه مشروع رائد وأفخر بالمشاركة فيه والإسهام في تحقيق أهدافه القيّمة.
للرياضة قدرة هائلة على إلهام الناس والتأثير في حياتهم. فعندما كنت صبياً، لطالما كان سالفاتوري سكيلاتشي، نجم وسط منتخب إيطاليا، والفائز بجائزتي الحذاء الذهبي والكرة الذهبية في مونديال 1990، مصدر إلهام بالنسبة لي، وكنت معجباً بأدائه وحماسه الشديد على أرضية الملعب، ودائماً ما كنت أحلم بهذه اللحظات التي يملؤها الشغف والحماس.
لا شك أن بطولة قطر 2022 تمتلك كافة الأدوات والعوامل التي تؤهلها لوضع معايير جديدة في استضافة البطولات الرياضية الكبرى. ولعل أهم ما يميز مونديال قطر هو ذلك الإرث الذي يتواصل العمل لتركه بعد إسدال الستار على المنافسات، لتستفيد منه الأجيال القادمة.
إن احتضان قطر لهذه البطولة العالمية سيُتيح للأطفال في قطر وحول العالم فرصة مشاهدة منتخباتهم الوطنية تتنافس مع ألمع نجوم الكرة مثل ميسي ونيمار ورونالدو وغيرهم، وإني على يقين تام بأن هذه التجربة ستبقى محفورة في أذهانهم وستكون مصدر إلهام لهم ودافعاً قوياً يحثهم على السعي نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم دون كلل.